ارباح أون لاين – تضم ساحة أنتويرب ميل مجموعة من البنايات الإدارية والمحال القديمة، ويتجمع بعض الرجال في الشوارع ليتحدثوا عن أمور التجارة، إلا أن السبب الرئيس خلف حضورهم إلى المدينة هو الإجراءات الأمنية المتشددة عند مداخل الأبنية المتهدمة. وفي الداخل فإنهم يتأملون أحجار الألماس الصلبة التي قد يخطئها المرء بسهولة، وتكون مجرد قطع من الزجاج أو الحجارة، وقد يقضي بعضهم ساعات مستخدمين أجهزة عالية التقنية لتحليل ما لديهم، بينما يستخدم آخرون عدسات مكبرة يدوية، أو عدسات معظمة لتقييم أي من هذه الحجارة المصقولة يمكن قطعه من الصخور المشوهة. يقول جوني كنيللر الرئيس التنفيذي في شركة “سافديكو” التي تتاجر في الألماس التي كان لورانس جراف ساهم في تأسيسها وتعتبر جزءا من إمبراطورية محال المجوهرات التي يمتلكها: “إنها أشبه بقطعة فنية”، ويقول أيضا: “ثم يأتي بعد ذلك الجدوى التجارية، وقد تختار غض الطرف عن الوزن إذا ما أعجبك المنتج”. وكانت جوهرة “وعد ليسوتو” البالغ وزنها 603 قراريط المستخرجة من منجم ليتسينج قد بيعت بمبلغ 12.4 مليون دولار، وتم تقطيعها إلى 26 حجرا ليصنع منها قلادة واحدة، وعرضت للبيع بسعر يشاع أنه قد وصل إلى 75 مليون دولار، وهناك حجر آخر يزن 478 قيراطا ويطلق عليه” ضوء ليتسينج” التي صنع منها أول حجر دائري براق يزيد وزنه على مائة قيراط. وقد غادر “أنتويرب” الكثير من قاطعي وصاقلي الألماس، ولكن لا يزال نحو 80 في المائة من الألماس غير المصقول في العالم يمر عبر المدينة، وكان هذا العام صعبا سواء بالنسبة للمنقبين في المناجم وصائغي الألماس الذين يقومون بتحويل الحجارة الخشنة إلى أخرى مصقولة لامعة. لقد أضر الركود الاقتصادي بالطلب على المجوهرات، وأدى التقليص المالي إلى تقليل قدرة صائغي الألماس على تخزين الحجارة الخشنة، وقد انخفضت أسعار الألماس الخام وفق تقديرات البنك الملكي الكندي بما يتراوح بين 15-20 في المائة هذا العام بعد عام 2011 المتقلب عندما انهارت الأسعار متهاوية نحو الأسفل. كذلك فقد واجهت صناعة الألماس فترة من التغير الملحوظ. إن الطلب المتزايد من الصين حيث تتلقى العرائس خواتم خطبة مصنوعة من الألماس، وقد تزايدت نسبتهن من 1 في المائة خلال فترة التسعينات لتصبح 31 في المائة عام 2010 لتتشابه مع ما كانت عليه الولايات المتحدة الأمريكية خلال حقبة الأربعينيات مما يعكس نظرة مزدهرة على الرغم من الاضطرابات قصيرة الأجل. ولا تزال شركتي “بي إتش بي بليتون” و “ريو تينتو” تحاولان بيع مناجم الألماس التي تملكها، ووسط سوق لا يزال ضيقا، ولم يتم استكشاف سوى القليل من الاكتشافات الكبيرة خلال العقدين الماضيين، فإن مجموعات التنقيب تناضل كي تزيد من حصتها السوقية، وبنسبة تقل عن 1 في المائة من ربح أصحاب المناجم، فإن عمليات التنقيب عن الألماس ليست كبيرة بما يكفي، لتبرير وقت إدارة هذا القطاع. يقول براين مينيل الذي يعمل في مجال التعدين والخبير المخضرم في صناعة الألماس: “إن كل حجر ألماس خشن هو حجر فريد، وعملية تقييم الألماس الخام تعتمد دوما على الخبرة وتخضع للعنصر الذاتي، ويقول أيضا: “إن ديناميكية تسويق الألماس فريدة متميزة مقارنة بالسلع الأخرى المستخرجة من المناجم”. ويسيطر على شركة دي بيرز مجموعة أنجلو أمريكية معروفة بتقييمها للألماس وفقا لنحو 12 ألف نقطة سعر مختلفة، ومنذ تخلت الشركة الرائدة في الصناعة عن سيطرتها على السوق، فإن أصحاب المناجم يعيدون التفكير في طريقة تسويق منتجاتهم، والحصول على مزيد من القيمة حين تنتقل الحجارة من المناجم إلى الأصابع. يقول جلين تيرنر المسؤول القانوني والتجاري بشركة جيم المقيدة في لندن التي تمتلك فيها شركة جراف نسبة 15 في المائة: “إن صناعة الألماس تاريخيا تقوم على أساس أن الأعمال تتوقف عند بوابة المنجم، ولكننا وجدنا هامشا كبيرا يمكننا أن نمنحه لحملة الأسهم”. وقد بدأت شركة جيم التي تستخرج من منجم ليتسينج الذي تملك كميات كبيرة من الألماس عالي الجودة العام الماضي في تطبيق ما أسمته “البيع الذكي” تاركة اختيار الأحجار للمصنعين أنفسهم أو تقوم بتقطيع بعضها بالمشاركة مع صائغي الألماس، والهدف من ذلك هو المشاركة في الربح الذي تصل نسبته إلى 50 في المائة من قيمة الإنتاج عام 2017. يقول ستيفن ويزرول المدير التنفيذي للمبيعات والتسويق بمجموعة جيم: ” تتزايد ربحية قطع وصقل هذه الأحجار الكبيرة عالية الجودة”، “وإننا في موضع يمكّننا من إنتاج ذلك والقيام به، سواء تم ذلك من خلال شراكة مع الصائغين أو الصانعين أنفسهم”. إن نزوح أصحاب المناجم يرتبط بتوجهات بائعي التجزئة المتاجرين في السلع الفاخرة والصائغين لتأمين توريد الأحجار الكريمة، وقد وقّعت شركة تيفاني عددا من الاتفاقيات والتعاقدات لشراء ما يستخرج من المنجم بالتعاون مع المنتجين للمساعدة في ملء الصناديق الزرقاء الشهيرة (علب المصوغات المصنوعة من الألماس) تمتلك مجموعة هاري وينستون المقيدة في كندا التي تضم مجموعة من متاجر المجوهرات نسبة تبلغ 40 في المائة من منجم ريو ديافيك، وتسعى إلى الاستحواذ على المزيد من أصول المناجم. يبدو الأمر وكأنه استراتيجية “نهايات الكتب” التي تقول: إن القيمة تتزايد لدى كل من صاحب المنجم وبائع التجزئة بصورة تفوق الاهتمام بالحجم، وهناك عمليات هامشية منخفضة بين الشراء والبيع في السوق وليس فيما بين بعضهم البعض، وهذا ما شجع بعض المحللين على البحث عن مزايا هذا النموذج، إلا أن المجموعة لا تزال تنظر لطرفي السوق ساعية للاستفادة وتحقيق تكامل رأسي قريب. ويعبر جان مارك ليبرهير المسؤول التجاري لقسم الألماس بمجموعة ريو عن ذلك بقوله: “إن أصحاب المناجم هم الأقرب إلى تجار التجزئة، كذلك فقد اقترب تجار التجزئة من أصحاب المناجم، وقد اختصرنا المسافات وأصبحنا أقرب إلى المستهلك النهائي، وهو ما يمنحنا قناة يمكن من خلالها العمل على إضافة أبعاد مختلفة إلى تجربة العميل. وتركز برامج مجموعة ريو على الشفافية من خلال تتبع الألماس من المنجم إلى المتجر وفي بعض الحالات فإنها توضح القصة الثقافية أو الاجتماعية المرتبطة بالحجر، وقد يعني هذا بناء اسم تجاري أو التواجد في سوق بيع التجزئة لمنجم واحد وهو ما تراه مجموعة جيم في منجم ليتسينج. يتضمن موقع “فاينانشيال تايمز” على الإنترنت تغطية إعلانية إبداعية لصناعة السلع الفاخرة والأخبار المتميزة والمشاهد والتقارير الخاصة. إلا أن شركة ريو كذلك أطلقت أخيرا مجموعة من المصوغات المتميزة، واختبرت” نيتشرز بيوتي” شهية العملاء لارتداء الحلي مع الحفاظ على القيم الأخلاقية والبيئية. كذلك فإن الشركات العاملة مع الصائغين كشركة شو تاي فووك الصينية فتحت أسواقا جديدة في مجال المصوغات التي تقوم على استخدام الألماس وتقدم أي سلعة يقل ثمنها عن 5000 دولار. ليس كل شخص معجبا بذلك، فيقول بعض المحللين: إن أصحاب المناجم يزيدون من مخاطرتهم عند تخزينهم للأحجار بدلا من قيامهم ببيعها لقاء المال، وبينما يبدو التشارك في الأحجار الكريمة أمرا منطقيا، إلا أن عالم المنافسة بين المتاجرين في الألماس محفوف بالمخاطر إذ إن نحو 60 في المائة من كتلة الحجر الخام يتم فقدها خلال عملية التصنيع والتشكيل وهو ما يمثل تهديدا ثابتا وهو ما تدركه الشركات التي تتخطى مجال العمل في المناجم. يقول خبير الصناعة مينيل: “لقد أخطأ التوجه طريقه، فأصحاب المناجم يميلون إلى الاتجاه إلى العمق نحو الشركات أو تجار التجزئة، ويسعى تجار التجزئة إلى نحو الأعلى، لضمان توافر معظم المعروض إن لم يكن كله مسببا تآكل القيمة. إنها صناعات مختلفة ذات ثقافات مختلفة ومتطلبات نجاح مختلفة، وحتما ستقوم الشركات باستغلال إحداهما أو كلتيهما بصورة سيئة”. ولكن الصناعة التي تعتبر التجارب جزءا من الاتجاه نحو تقليل الطلب على الألماس منذ أن ابتعدت شركة دي بييرز عن ريادة القطاع كله، ويقول ليبيرهير: “إن جزءا من فلسفة أعمالنا هو تجربة التعامل مع الألماس كسلعة وتخطي المفهوم الشائع حول العمليات الأربع الرئيسة” مشيرا بذلك إلى العمليات الأربع الرئيسة التي تحدد عملية التسعير، وهي القطع واللون والنقاوة والقيراط، ويقول: “ونعتقد أن ذلك سيساعد على تقليل شهية الطلب على الألماس على المدى البعيد”. وقد وضعت شركة دي بييرز استراتيجية متعددة الأوجه. إن التقلب في أسواق الألماس يعتبر ظاهرة حديثة، فحتى عام 1999 كانت “دي بييرز” لا تزال تمتلك 35 في المائة من سوق الألماس في العالم وهي المتحكمة في المعروض من الأحجار الكريمة من خلال شراء إنتاج منافسيها. ومن خلال إنتاجها الخاص والأطراف الأخرى التي تقوم بعمليات الشراء، فإن مالكة المناجم التي تأسست شركتها في سيسيل رودس بجنوب إفريقيا عام 1988 قد استطاعت أن تحقق الكثير حتى أنها تتحكم بنحو 80 في المائة من المعروض على مستوى العالم. إن السعي خلف “الألماس الدامي” أو تلك الحجارة التي يتم الحصول عليها من مناطق الصراعات فإنها تخضع لرقابة وضغط المنظمين والمنافسين المبتدئين هو ما دفع الشركة إلى تغيير وجهتها عام 2000. أوقف أصحاب المناجم عمليات شرائهم لمناجم بالخارج وبدأوا في بيع مخزونهم من الأحجار التي تبلغ قيمتها خمسة مليارات دولار أمريكي، وتحولت إلى ما يسمى نموذج ” اختيار المورد”، إلى نحو 75 في المائة من حملة الأسهم أو من يشترون الأحجار الخام الذين يصبحون بعد ذلك مؤهلين لشراء الأحجار من شركة دي بييرز خلال عروض بيعها العشرة، أو خلال ما تعلن عنه كل عام. لكن هذا التحول في الصناعة القائمة على مبدأ الطلب يعرض الألماس إلى نفس الضغوط الاقتصادية العالمية التي تؤثر على السلع الأخرى، وهذا ما قد يتسبب في تحرير سعر الألماس الخام في أوقات الضغط الناتج عن الأحجار الأخرى المصقولة. كذلك فإن أصحاب المناجم لم يعودوا يعتمدون على ما تنفقه “دي بييرز” والبالغة قيمته 200 مليون دولار أمريكي سنويا، ويتعاملون بحرص مع الرأي القائل: إن الألماس يعبر عن الحب الخالد. وافقت “دي بييرز” عام 2001 على الشراكة مع مؤسسة LVMH وهي مجموعة تجارة السلع الفاخرة وإنشاء شركة دي بييرز لصياغة الألماس بهدف إتاحة استخدام علامتها التجارية في أسواق التجزئة. وفي عام 2008 قامت الشركة بخطوة أخرى نحو تحويل هذه الأحجار إلى سلع، فقد أطلقت “دي بييرز” عملية صناعة ألماس بعلامة تجارية يمكن من خلالها تمييز كل ماسة بأيقونة خاصة يمكن تمييزها بالعين المجردة، مشيرة إلى أن مسؤوليتها هي البحث الجودة وتقديمها في أفضل صورها وهذا من خلال ما أسمته عملية ” العلامة الأبدية”، وقد أصبح لهذه ” العلامة الأبدية” تجار تجزئة لمجموعات المجوهرات كالتي تم إطلاقها هذا العام في جنوب إفريقيا والإمارات العربية المتحدة.
The post صناعة الألماس تقطع وتعيد التشكيل للاقتراب من المستهلك النهائي appeared first on ارباح أون لاين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق