الخميس، 21 ديسمبر 2017

كيف حولت شركات التسويق الألماس إلى قطعة نفيسة غالية الثمن؟

ارباح أون لاين – قطعة الماس هي كربون، أحد أكثر العناصر وفرة على كوكب الأرض، ولكن يمكن لأي شخص اشترى أو أُعجب أو ارتدى قطعة ماسيّة أن يخبرك بأن هناك الكثير من الأشياء التي تكمن وراء هذا الهيكل البلوري ذو الزوايا المتعددة.

لكن هذه الحجارة تمتلك قيمة مادية وثقافية كبيرة، إذ يعبّر الألماس عن الرومانسية والحب والالتزام والإنجاز، كما أنه شيء أبدي، ولكن لماذا الألماس مُثقلٌ بالمعاني إلى هذا الحد؟ بالتأكيد، الألماس له بريق خاص، ولكن لماذا الألماس وليس الزمرد، ولا الياقوت، ولا أحجار التورمالين، أو الياقوت الأزرق، هو أفضل صديق للفتاة وعلامة على الحب الأبديّ؟

تكمن الإجابة في كلمة واحدة: التسويق.

حُلم الألماس

في هذه الأيام عندما نتأنق، نلتقط صور “السيلفي” ونرتدي خواتم الخطبة المرصعة دون تفكير، ولكن فكرة أن حجم وأصالة قطعة الماس يتناسبان طرديًا مع الحب، وتقدير المرء لشريك حياته هي أمر نسبيّ، وهو في الواقع نتاج حملة تسويقية يجري تنفيذها بخبرة على مدى سنوات، يعود الفضل فيها لشركة واحدة: شركة دي بيرز (De Beers).

في تقريرها السنوي ، حدّدت الشركة قيمة أعظم أصولها، ولم يكن أعظم أصولها هو الـ 6 مليار دولار قيمة الماس الخام التي تنتجها مناجم الشركة، ولكن الشركة ركّزت على التزامها بتعزيز وحماية فكرة معينة وهي “حُلم الألماس” أو بعبارة أخرى، بحسب وصف الشركة: إغراء المستهلكين عبر الاعتماد على ارتباطهم بالرومانسية والشعور بالأبدية، وحقيقة أنهم يروا الماس كمصدر للأشياء الدائمة ذات القيمة العالية“

الأبديّة وقت طويل، ولكن منذ 100 عام فقط، بدأ الألماس بالتوغل إلى ضمير المستهلك، وقبل ذلك، استخدمت الطبقات الحاكمة في الهند والبرازيل الألماس للزينة، وفي عام 1866، وجدَ صبي في سن المراهقة يلعب على ضفاف نهر أورانج بالقرب من مدينة هوب تاون بجنوب أفريقيا حجرًا لامعًا عيار 21.25 قيراطًا، عُرف باسم “ماسة يوريكا“، وبعدها انطلقت صناعة الألماس في أفريقيا، وتحوّلت القارة إلى أكبر مصدّر للألماس في العالم.

وبحلول أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر، احتدمت المنافسة بين تاجران بريطانيان في جنوب أفريقيا، سيسيل رودس وبارني برناتو، فأغرق كل منهما السوق بالألماس وهما يحاولان التفوق على بعضهما البعض في المبيعات، فانخفضت أسعار الألماس، وسرعان ما اكتشف الإثنان بأنَّ السيطرة على المعروض من الماس سيكون أفضل وسيلة للحفاظ على ارتفاع الأسعار. هنا، قرر رودس الاستحواذ على شركة برناتو، وفي عام 1888 أسس شركة دي بيرز للتعدين.

ويمكن القول بأنَّ شركة دي بيرز كانت “الكارتل” الأكثر نجاحًا في العصر الحديث، حتى بعد انهيار سوق الأسهم في عام 1929 والذي أدى إلى انخفاض الطلب على الألماس، وذلك كله  بفضل فريق التسويق البارع.

في فبراير عام 1932 كتبت مجلة “Spectator“: “يجب أن تنهض جنوب أفريقيا من دون الاعتماد على صناعة الألماس، إنَّ العالم الفقير لا يستطيع أن يشتري الأحجار الثمينة، ولا تجرؤ نقابات الألماس على طلب المزيد من الرسوم وهو ما يؤدي إلى خفض أسعاره، وذلك لأنَّ الألماس سيفقد نصف جاذبيته لو أصبح رخيصًا، كما أنَّ الإفراط في إنتاج الألماس قد يفسد التجارة لسنوات قادمة”.

وفي ثلاثينات القرن الماضي، كانت شركة دي بيرز مسيطرة على معروض الألماس في العالم، ورأت حينها أن الفرصة باتت سانحة لخلق المزيد من الطلب.

وهنا أتى دور وكالة الإعلان الأمريكية “N.W. Ayer” التي ابتدعت حملة تسويقية للألماس وأطلقتها على أكثر من مستوى لتساهم في تعريف سوق الإعلان المعاصر.

A Diamond is Forever

في عام 1938، عندما قام هاري أوبنهايمر، الابن البالغ من العمر 29 عامًا لرئيس شركة دي بيرز أرنست أوبنهايمر، بتقييم خياراته لتعزيز الطلب على الألماس والأسعار أيضًا. كانت أوروبا أنذاك على حافة الحرب، ومن ثمّ أصبحت أمريكا محل تركيز الشركة، وقد أبرم أوبنهايمر شراكة مع وكالة الإعلان N.W. Ayer بمدينة فيلادلفيا، وشنّ هجومًا دعائياً قويًا على السوق الأمريكي.

وجد باحثو وكالة N.W. Ayer أنه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، بدأ الأمريكيون بشراء الماس بشكل أقل وبسعر أرخص، ولذلك كانت شركة دي بيرز بحاجة لزيادة الطلب على أحجار أكبر حجمًا وأغلى سعرًا، وكانت خواتم الخطبة هي الوسيلة المثالية.

كانت خواتم الخطبة موجودة منذ قرون، وقد صنعت من كل شيء تقريبًا، ابتداءً من الشعر البشري (في العصر الفيكتوري)، مروراً بالحلقات المعدنية (في عصر البيوريتانية)، ووصولاً للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، بما في ذلك الألماس، لكن الخواتم المرصعة بالألماس لم تكن بتلك “الضرورة” في ذلك الوقت كما هي الآن، ففي نهاية الثلاثينات، كانت واحدة من كل خمس عرائس ترتدي خاتم الخطوبة المصنوع من الألماس، وكانت الأحجار الكريمة بسيطة للغاية مقارنة بمقاييس اليوم.

كانت السوق خصبة، كل ما كان مطلوباً هو تجديد العلامة التجارية، وقد أخذت وكالة N.W. Ayer على عاتقها هذه المهمة، كما أرخ إدوارد جاي ابشتاين في صحيفة “ذا أتلانتيك” في عام 1982:

“اقترحت وكالة N.W. Ayer أنه من خلال إطلاق حملة إعلانية وعلاقات عامة مخطط لها جيدًا، يمكن أن يكون لها تأثير كبير على ’المواقف الاجتماعية‘ لعامة الجمهور، وعلى وجه التحديد، أكدت الدراسة التي أجرتها الوكالة على ضرورة تعزيز ارتباط الألماس بالرومانسية في أذهان الجمهور، وذلك لأن ’الشباب يشترون أكثر من 90٪ من جميع خواتم الخطبة‘، ولذلك فمن المهم أن نغرس في نفوسهم فكرة أن الألماس هو هدية الحب المناسبة، وكلما كانت قطعة الألماس كبيرة وأنيقة، زاد التعبير عن الحب، وبالمثل، كان لابدّ من تشجيع الفتيات لرؤية الألماس باعتباره جزءًا لا يتجزأ من أي خطوبة رومانسية”.

وبدلًا من التركيز على المبيعات، تبنت الوكالة نهج يهدف إلى بيع كل ما هو مثالي، والترويج للمشاعر والمفاهيم أيضًا. أظهرت الإعلانات لوحات سلفادور دالي وبابلو بيكاسو، جنبًا إلى جنب مع نسخة شعرية حول الأهمية العميقة لخاتم الخطبة المصنوع من الألماس.

بحلول عام 1941، ساعدت الوكالة على زيادة مبيعات الألماس بنسبة 55% في الولايات المتحدة، والأهم من ذلك أن الوكالة زرعت بذور “حُلم الألماس”، ووضعت الأساس لما يمكن وصفها بأنها الحملة التسويقية الأكثر نجاحًا في القرن العشرين.

الأبديّة بدأت عام 1947

لقد أضافت حملة الوكالة إلى الماس الشعور بقيمة الأبديّة، ولم يتمّ تصميم هذه الحملة لبيع الأحجار فحسب، ولكن أيضًا لضمان احتفاظ الأشخاص بالماس إلى الأبد، وبهذه الطريقة يمكن أن تسيطر شركة دي بيرز على تدفق الماس في السوق، وتتحكم بالأسعار أيضًا.

في عام 1947، كتبت فرانسيس غيريتي، كاتبة ومصممة إعلانات (Copywriter) عملت على إعلانات شركة دي بيرز منذ عام 1943، جملة تصف الشعور الذي تحتاج إليه شركة دي بيرز: “الألماس هو الأبديّة” (Diamond is forever) وهي العبارة التي تزين إعلانات الشركة حتى اليوم.

مباشرة من فوق السجادة الحمراء

وفي الوقت نفسه، أطلقت زميلة غيريتي دوروثي دينام حملة تسويقية سريّة لتعزيز صناعة الماس خارج النطاق التقليدي للإعلانات. فقبل بزوغ المجلات الأمريكية الترويجية، وقبل برامج  “Live from the Red Carpet” التلفزيونية التي تنقل أخبار المشاهير، كانت دينام تكتب نشرة شهرية إلى وسائل الإعلام تسرد من خلالها قصص حول أي من نجوم هوليوود ارتدى قطع الألماس، وكيف كانت الأحجار الكريمة سببًا في المغازلة والإطراء من المعجبين، وقد كان لذلك دور في تعزيز صورة الألماس لدى الجمهور كحجر ثمين.

اليوم، أصبح من الشائع أن يمشي المشاهير على السجادة الحمراء وهم يرتدون المجوهرات ويتحدثون عن الماركات العالمية مثل: Van Cleef، Tiffany، وCartier، وغيرها، ولكن بدون دوروثي دينام ودي بيرز من قبلهم، لما حصل قسم العلاقات العامة في شركة هاري وينستون على الفرصة لإقناع جنيفر لوبيز بارتداء 200 قيراط من الألماس، ومنح المرأة شيء تتطلع إليه.

مفاجأة!

على مدى عقود، كانت نتائج بحوث وكالة N.W. Ayer لا تقدّر بثمن لشركة دي بيرز ولصناعة الألماس ككل، حيث كانت العديد من أساليب التقدم للزواج التي نعتقد أنها تقليدية أو رومانسية، هي في الواقع نتاج إعلانات شركة دي بيرز. فعلى سبيل المثال، وجد أحد أبحاث الوكالة أن هدايا الألماس غير المتوقعة لم تكن مثيرة للمرأة فحسب، بل إنها تحرر المرأة من الشعور بالذنب تجاه ما تكبده شريك حياتها من مصروفات لشرائها.

وكما كتبت آن كينغستون في كتاب “معنى الزوجة” فقد أظهرت الدراسات كذلك أنَّ الرجال ينفقون أموالاً أكثر عند التسوق بمفردهم، على عكس إنفاقهم وهم بصحبة زوجاتهم أو صديقاتهم، وهو ما جعل عنصر “المفاجأة” جزءًا مهماً من حلم الألماس الذي تسوّقه شركة دي بيرز.

تصدير حُلم الألماس

على مدى العقود الأربعة الأولى لوكالة N.W. Ayer، بين عاميّ 1939 و1979، ارتفعت مبيعات الألماس الخام لشركة دي بيرز من 23 مليون دولار إلى أكثر من 2.1 مليار دولار، وأصبح خاتم الخطوبة المصنوع من الألماس علامة جديدة في الحياة الأمريكية.

وفي الستينات، زادت شركة دي بيرز من نطاق حملتها واستهدفت السوق اليابانية بمساعدة من وكالة جي والتر تومبسون (JWT)، ففي اليابان، لم يكن هناك مكان لخواتم الألماس في تقاليد الزواج اليابانية، وكتب ابشتاين أنَّ JWT أطلقت سلسلة من الإعلانات تربط خواتم الألماس “بالقيم الغربية الحديثة”، ولاقت السلسلة نجاحًا كبيرًا، ففي عام 1967 – السنة الأولى للحملة – حصل أقل من 5% من النساء اليابانيات المرتبطات على خاتم من الألماس للخطوبة، وبحلول عام 1981، زادت النسبة إلى 60%، مما جعل اليابان ثاني أكبر سوق لخواتم الخطوبة المصنوعة من الألماس بعد الولايات المتحدة.

حُلم الماس يصل إلى العالمية

ما زالت الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك للألماس والمجوهرات في العالم، والآن تتحول شركة دي بيرز ومنافسوها في الصناعة إلى الطبقات الوسطى الآخذة في الظهور حول العالم لنقل “حُلم الألماس” إليها، ففي الصين وخلال فترة التسعينات، كانت خواتم الخطبة غير موجودة تقريبًا، وفي عام 2013، حصل ما يقرب من ثلث العرائس على خاتم خطبة من الألماس.

وفي الهند، ثالث أكبر سوق للألماس، لاحظت شركة دي بيرز أن معظم الزيجات تتم بترتيب عائلي مسبق، فأشارت في تقرير لها عام 2015 “طريق اكتساب الحب الحقيقي للمرأة الهندية يأتي بعد حفل الزفاف، وذلك من خلال احتفالات ذكرى الزفاف كل عام”.

هل تفوّق حُلم الألماس على الماس نفسه؟

على الرغم من أن شركة دي بيرز لم تعد قوة عظمى كما كانت في السابق، إلا أنّها لا تزال توفر جزءًا ضخماً من الألماس الخام في العالم، وتمثل أكثر من ثلث السوق، وهو ما يتيح لها التحكم بالأسعار عبر التحكم بالكميات المعروضة. وتشير صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها بعنوان “خمس خرافات عن الألماس” أن الألماس ليس حجراً نادراً، إذ يبلغ إنتاج المناجم ما يفوق 160 مليون قيراطاً سنوياً، إلا أن كمية كبيرة من هذا الإنتاج لا يتم بيعها بالسوق للتحكم في سعر وقيمة الألماس. ورغم تناقص حجم دي بيرز إلا أن هناك تفاهم بين الشركات المنتجة أن إغراق السوق بالألماس والدخول في حرب أسعار لن يكون في صالحهم وصالح الصناعة التي تدر عليهم الملايين.

واليوم، تحاول معظم الماركات العالمية تقليد شركة دي بيرز عبر الحملات التسويقية التي تستهدف نفسية المتلقي ويتم تقديمها من خلال قنوات متعددة التي قامت بها وكالة N.W. Ayer، لدرجة أنه في بعض الحالات فاقت شهرة بعض الشركات العالمية تلك المنتجات التي تبيعها، وأصبح للإسم قيمة أكبر من البضاعة ذاتها.

في 2013، أشار تقرير لشركة ماكينزي الاستشارية أنَّ مستهلكي المجوهرات يهتمون باختيار الماركات العالمية عند التسوق، وهو اتجاه يتوقع الخبراء أن يستمر في المستقبل، كما ذكر التقرير أنَّ “المستهلكين يريدون ’خاتم ماركة تيفاني‘ وليس مجرد خاتم من الألماس”.

The post كيف حولت شركات التسويق الألماس إلى قطعة نفيسة غالية الثمن؟ appeared first on ارباح أون لاين.

المصدر ارباح أون لاين

0 التعليقات: