الخميس، 4 يناير 2018

البنوك المركزية تقود الأسواق من المقعد الخلفي

ارباح أون لاين – الكلمات التي يتم اختيارها بعناية من قبل مسؤولي البنوك المركزية، تمارس منذ فترة طويلة التأثير في الأسواق المالية، وقد ازداد تأثيرها أكثر حتى من ذي قبل، منذ أن بدأت برامج الحوافز الضخمة في زيادة نفوذها. في لحظات زمنية مختلفة خلال عام 2017، استثارت كلمات محافظي البنوك المركزية الرائدة ردود فعل مهمة، وأكدت على العلاقة المعقدة بين حراس السياسة المالية والأسواق العالمية. اختار مراسلو السوق في صحيفة “فاينانشيال تايمز” أبرز العبارات المقتبسة لهذا العام، ثم قدموا تحليلات حول الكيفية التي استوعب بها المستثمرون تلك العبارات.

بنك الشعب الصيني: تشو يحذر من لحظة مينسكي
هايمان مينسكي اقتصادي أمريكي حاز على الشهرة بسبب نظريته المتعلقة بالنمو المفرط في الديون أو الائتمان، وكيف أنه يشكل ظاهرة تنذر بخطر حدوث انهيار مفاجئ في أسعار الأصول.
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أذهل تشو شياو تشيوان، محافظ بنك الشعب الصيني، أي البنك المركزي الصيني، كثيرين عندما أعرب عن قلقه من أن ديون الشركات وديون الأسر، آخذة في الارتفاع بشكل متسارع فوق الحد. وفي تصريح له على هامش مؤتمر الحزب الشيوعي المنعقد في بكين، قال تشو، الذي سيتنحى قريبا عن منصبه كمحافظ لبنك الشعب الصيني: “إن كنا نشعر بالتفاؤل فوق الحد عندما تسير الأمور بسلاسة، فإن في تزياد التوترات ما يمكن أن يؤدي إلى حدوث تصحيح حاد، وهو ما نطلق عليه لحظة مينسكي. وهذا ما ينبغي علينا التصدي له بشكل خاص”.
وقد سعى بنك الشعب الصيني بنشاط إلى الاستفادة من قطاع مصارف الظل المنفلت من عقاله في البلاد، الذي ساعد على دفع الاقتصاد في السنوات الأخيرة.

“الفيدرالي الأمريكي” ييلين: انخفاض التضخم لغز
الافتقار إلى وجود ضغوط تضخمية، في وقت انخفاض معدلات البطالة تسبب في إدهاش محافظي البنوك المركزية، وإثارة قلقهم هذا العام. لم يتم تحقيق هدف التضخم البالغة نسبته 2 في المائة لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على مدى نصف عقد من الزمن، ويبلغ معدل التضخم المفضل لدى البنك المركزي الأمريكي في الوقت الحاضر 1.6 في المائة، كما تخلف أيضا معدل نمو الأجور، وهو يسير الآن بمعدل سنوي عند 2.5 في المائة.
بعد اجتماع لجنة السياسة المفتوحة الذي عقده “البنك المركزي الأمريكي” في أيلول (سبتمبر) الماضي، قالت جانيت ييلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي إن هنالك أسبابا مشروعة توضح السبب في أن التضخم في السابق، كان يهبط إلى ما دون الهدف المطلوب. وتشتمل تلك الأسباب على القدرة الاحتياطية في سوق الوظائف بعد فترة الركود، وانخفاض أسعار الطاقة وارتفاع قيمة الدولار.
وقالت: “هذا العام، هبوط التضخم من نسبة 2 في المائة، يشير إلى أنه ليس هنالك أي أثر لأي من تلك العوامل، وهو وضع أقرب إلى كونه لغزا. لن أقول إن اللجنة تفهم بوضوح الأسباب المؤدية لحدوث ذلك”.
في كلمة لها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قالت ييلين أمام جمهور في جامعة نيويورك: “في كل عام كان التضخم أقل مما كنا نريد، لكن ذلك لم يكن مفاجئا. هذا العام بالذات، كان الأمر مفاجئاً”. بالنسبة لبعض متداولي السندات والمستثمرين، يعني غياب التضخم أن هناك احتمالا كبيرا بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سوف يخاطر بتشديد السياسة فوق الحد.
واحدة من أفضل تداولات السندات من حيث الأداء كانت تعرض منحنى مستويا للعائدات، حيث يكون أداء السندات ذات الاستحقاق الأطول أجلا أفضل من السندات ذات الاستحقاق الأقصر أجلا.

“المركزي الأوروبي”: دراجي والانسحاب التدريجي
إلى أي مدى سيبقى البنك المركزي الأوروبي ملتزما ببرنامج شراء الأصول التي تقدر قيمتها بتريليونات اليورو؟ ذلك كان واحدا من أكبر المواضيع الساخنة، في النصف الأول من العام بالنسبة للمستثمرين، في الوقت الذي عمل فيه النمو القوي في منطقة اليورو وتراجع المخاطر السياسية، على تحفيز التوقعات بأن البنك المركزي سوف يعمل على تقليص البرنامج.
في حزيران (يونيو) الماضي، اجتمع محافظو البنوك المركزية في سينترا في البرتغال وأشاروا، كل بطريقته المتكتمة، إلى أن حقبة التسهيل الكمي ربما تشارف على نهايتها. وسرعان ما وُصف ذلك بأنه: “ميثاق سينترا” من قبل المستثمرين.
وقد ثبت أن ملاحظة ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، كانت من أكثر الملاحظات التي لها دلالتها، فقد قال: “تشير كل الدلائل الآن إلى وجود انتعاش آخذ في التحسن، وذي نطاق أوسع في منطقة اليورو. لقد ذهبت اقوى الانكماش وحلت محلها قوى الانتعاش”.
وفي حين أن دراجي أضاف الكثير من التحذيرات، إلا أن النغمة استقرت.
ارتفع اليورو ارتفاعا حادا، وارتفعت عائدات السندات، وعلى الرغم من أن مسؤولي البنك المركزي الأوروبي حاولوا لاحقا الإشارة إلى أن الأسواق بالغت في تفسير الكلمة، إلا أن القالب قد تم صبه، وتجمد بما يستعصي على الإذابة.

بنك إنجلترا: انحياز كارني إلى المتشددين
عقب التصريحات التي أدلى بها دراجي في سينترا، جاءت تعليقات من مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا “المركزي”. في حزيران (يونيو) الماضي، انقسمت لجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنجلترا حول ما إذا كانت تريد رفع أسعار الفائدة، بحيث كانت نتيجة التصويت 5 مقابل 3، لصالح إبقاء الفائدة على حالها من دون تغيير.
في ذلك الحين كان كارني واقفا في صف الحمائم. إلا أنه قال بعد أسبوع من الاجتماع إن الوقت الحالي “ليس مناسبا بعد” لرفع أسعار الفائدة، مشيرا إلى مخاوف حول الإنفاق الاستهلاكي، ومستوى استثمار الشركات.
بعد مضي بضعة أيام، كان يقدم الحجة المعاكسة. حيث قال في الاجتماع الذي عقد في البرتغال: “من المرجح أن إزالة جزء من التحفيز النقدي سوف تصبح أمرا ضروريا، فيما لو استمرت المقايضة التي تواجه اللجنة في التراجع، وبالتالي يصبح قرار السياسة أمرا أقرب إلى الجانب التقليدي”.
قفز الجنيه الاسترليني إلى الأعلى في بداية اندفاع بلغ ذروته مع قرار رفع أسعار الفائدة الذي اتخذ في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهو أول قرار من هذا النوع منذ عقد من الزمن.

بنك كندا: بولوز.. انتهت مهمة رفع الفائدة
إن كان هنالك محافظ بنك مركزي واحد يتحدث حول تشديد السياسة قبل إبرام “ميثاق سنترا”، فهو ستيفن بولوز محافظ بنك كندا المركزي. قبل أسبوعين من عقد مؤتمر سنترا، تحدث محافظ بنك كندا في مقابلة إذاعية عن الانتعاش الاقتصادي في البلاد، الذي كان حافزه الأساسي تراجُع مستويات أسعار النفط.
حيث قال: “ما يعنيه هذا بالنسبة لنا هو أن تخفيضات أسعار الفائدة التي قمنا بها في عام 2015، أدت دورها بنجاح إلى حد كبير”.
لاحظ المحللون والمستثمرون أن نائبته، كارولين ويكينز، كانت قد أشارت للتو في اليوم السابق إلى أن سوق العمل آخذة في التحسن، وأن طلباً قوياً في المقاطعات المعتمدة على الطاقة، كان مفيداً في تسريع النمو.
هذه الرسالة المزدوجة من أكبر مسؤولَين في البنك المركزي زادت من اندفاع الدولار الكندي، ورفعت عائدات السندات لأجل 10 سنوات إلى الأعلى.
تلك الخطوة اشتعلت مرة أخرى في سنترا عندما كرر بولوز تلك الرسالة. وبالتالي كان المسرح معدا لتلقي ارتفاعين في أسعار الفائدة خلال 3 أشهر.

بنك اليابان: كورودا وتحويل النظرية إلى ممارسة
في الوقت الذي كانت فيه البنوك المركزية الأخرى تحوّل مسار السياسة بعيدا عن التدابير الطارئة، أمضى بنك اليابان عام 2017 وهو يتطلع بكل ثبات إلى الجانب المقابل.
من الناحية العملية كان هذا يعني اتباع سياسة السيطرة على منحنى العائدات.
ظن المستثمرون أنهم لمحوا تغييرا في اللهجة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما أشار المحافظ هاروهيكو كورودا إلى “عكس أسعار الفائدة”، وهي نظرية أكاديمية تشير إلى أن أسعار الفائدة المنخفضة يمكن أن تعمل في نهاية المطاف على الإضرار بالاقتصاد، بإفقاد المصارف قدرتها على تحقيق الأرباح.
لم يذكر المحافظ تلك المعلومة مرة واحدة بل مرتين – الأولى في خطاب ألقاه في زيوريخ، ومن ثم بعد مضي أسبوعين أمام البرلمان الياباني حين قال: “إنها نظرية تساعدنا على تفهم الشكل المناسب لمنحنى العائدات”.
رد فعل السوق، الذي دفع بالين إلى النهاية العليا لنطاقه خلال عام 2017، استجلب توضيحا من المحافظ ومن بنك اليابان “المركزي” – مفاده أن السياسة لم تتغير.
في الوقت الحاضر، يقبل المستثمرون بما يقوله المحافظ والبنك.
على أن السؤال هو: إلى متى ستظل السياسة النقدية لليابان في وضع مريح مع السوق، في الوقت الذي تطبع فيه البنوك المركزية الأخرى سياساتها النقدية؟

The post البنوك المركزية تقود الأسواق من المقعد الخلفي appeared first on ارباح أون لاين.

المصدر ارباح أون لاين

Related Posts:

0 التعليقات: